يتكونُجهازُالمناعةِمنْأنواعٍمختلفةٍمنْخلاياالدمِالبيضاء،تتضمنُالخلايااللمفاويةَالتائيةَوالبائيةَالتيتتمثلُوظيفتُهماالمشتركةُفيحمايةِالفردِمنَالعدوىعنْطريقِالقضاءِعلىالكائناتِالحيةِالدقيقةِالغازيَةِوالخلاياالمصابة؛وفيالوقتِنفسِهيجبُعليهمتجنُّبُالإضرارِبالكائنِالحي。
إذًافالمطلوبُهوَنظامُتعرُّفٍمتطورٌيمكّنُالخلاياالليمفاويةَمنَالتمييزِبينَالكائناتِالحيةِالدقيقةِوالخلاياالمصابةِمنْجهة،والخلاياالطبيعيةِللفردِمنْجهةٍأخرى。بالإضافةِإلىذلك،يجبُأنْيكونَنظامُالتعرُّفِقادرًاعلىتحديدِمتىيجبُتنشيطُخلاياالدمِالبيضاءِالقادرةِعلىالقتل……فكيفَ تتحققُ تلكَ المعادلة؟
تمكَّنَ”بيتردوهرتي”و”رولفزينكرناجي”لمنَالكشفِعنِالطبيعةِالمذهلةِلجهازِناالمناعي. .تلكَالطبيعةُالتيتُمكِّنُهمنْمكافحةِالفيروساتِوالكائناتِالمُمْرِضة؛وتُحافظُفيالوقتِذاتِهعلىسلامةِأنسجتِناوخلاياناغيرِالمصابة。
فقدِاكتشفَ”دوهرتي”و”زينكرناجيل”——الحاصلانِعلىنوبلالطبعامَألفٍوتِسعِمئةٍوستةٍوتسعينَ——أنَّالخلاياالتائيةَتتعرفُعنْطريقِمستقبِلٍواحدٍيُوجدُعلىسطحِهاعلىجزيئينِيوجدانِعلىسطحِالخلايا؛أحدُهماهوَالمستضدُّالفيروسيُّ——وهوَعلامةُإصابةِالخلايابالعدوى——والآخرُهوَمعقدُالتوافقِالنسيجيِّالكبير،وهوَنوعٌمنَالبروتيناتِيُحددُالخلاياالطبيعيةَويُفرقُبينَهاوبينَالخلاياالمُصابةِبالعدوى。
وبذلكَ؛نجحَالعلماءُفيفهمِالكيفيةِالتييتعرفُمنْخلالِهاالجهازُالمناعيُّعلىالخلاياالمصابةِبالفيروس。
وقدْأرسىاكتشافُهمابدورِهالأساسَلفهمِالآلياتِالعامةِالتييستخدمُهاجهازُالمناعةِالخلويُّللتعرُّفِعلىكلٍّمنَالكائناتِالحيةِالدقيقةِالأجنبيةِوالجزيئاتِالذاتية。ماأسهَمَفيتدعيمِالجهودِالمبذولةِلتقويةِالاستجابةِالمناعيةِضدَّغزوِالكائناتِالحيةِالدقيقةِوأنواعٍمعينةٍمنَالسرطان،وكذلكَمحاولاتُتقليلِآثارِتفاعلاتِالمناعةِالذاتيةِفيالأمراضِالالتهابية،مثلَحالاتِالروماتويدوالتصلبِالمتعددِومرضِالسكري。
أجرىالعالِمانِأبحاثَهمابينَعامَيألفٍوتِسعِمئةٍوثلاثةٍوسبعين——وألفٍوتِسعِمئةٍوخمسةٍوسبعينَفيمدرسةِ”جونكيرتن”للأبحاثِالطبيةِفيأستراليا،حيثُشغلَ”دوهرتي”منصبًاأكاديميًّافيالوقتِالذيكانَفيهِ”زينكرناجيل”زميلًاباحثًافيالمكانِنفسِه。
خلالَدراستِهمالاستجابةِالفئرانِللفيروسات،وجداأنَّخلاياالدمِالبيضاءَ(الخلاياالليمفاوية)يجبُأنْتتعرفَعلىالفيروسوبعضِالجزيئاتِالذاتيةِ——مايُسمىبمستضداتِالتوافقِالنسيجيِّالكبير——منْأجلِقتلِالخلاياالمصابةِبالفيروس。
فيأوائلِالسبعينيات،عندمابدأَ”دوهرتي”و”زينكرناجيل”عملَهمافيعلمِالمناعةِكانَمنَالمعروفِأنَّالأجسامَالمضادةَالتيتنتجُهاالخلاياالليمفاويةُالبائيةُقادرةٌعلىالتعرفِعلىبعضِالكائناتِالحيةِالدقيقةِوالقضاءِعليها،وخاصةًالبكتيريا。لمْيكنْيُعرفُالكثيرُعنْآلياتِاستخدامِالمناعةِللخلايااللمفاويةِالتائية。
استخدمَ”دوهرتي”و”زينكرناجي”لالفئرانَلدراسةِكيفَيُمكنُلجهازِالمناعة،وخاصةًالخلايااللمفاويةَالتائية،حمايةُالحيواناتِمنَالعدوىمنْفيروسٍقادرٍعلىالتسبُّبِفيالتهابِالسحايا。
طورتِالفئرانُالمصابةُالخلايااللمفاويةَالتائيةَالقاتلة،والتييُمكنُأنْتقتلَالخلاياالمصابةَبالفيروسفيأنبوبِالاختبار。ولكنْكانَهناكَاكتشافٌغيرُمتوقَّع:فتلكَالخلاياوعلىالرغمِمنْأنَّهاكانتْتتفاعلُضدَّهذاالفيروسِبالذات،لمْتكنْقادرةًعلىقتلِالخلاياالمصابةِبالفيروسمنْسلالةٍأخرىمنَالفئران؛وهذايعنيأنَّالخلاياالتائيةَتقتلُفقطالفيروسَالموجودَحصريًّافيخلايافأرٍمعين。لذا؛استنتجاأنَّالخلاياالتائيةَيعتمدُتنشيطُهاعلىجزيئاتٍ——أومستضداتٍ——توجدُفيجسمِكلِّفردٍبعينِه。
كانَلتلكَالنتيجةِتأثيرٌفوريٌّعلىالبحوثِالمناعية。أصبحتِالأهميةُالواسعةُلملحوظاتِهمفيمايتعلقُبخصوصيةِالخلايااللمفاويةِالتائيةِواضحةًفيالعديدِمنَالسياقات،سواءٌفيمايتعلقُبقدرةِالجهازِالمناعيِّعلىالتعرُّفِعلىالكائناتِالحيةِالدقيقةِبخلافِالفيروسات،وفيمايتعلقُبقدرةِالجهازِالمناعيِّعلىالاستجابةِضدَّها。
وُلدَ”بيتردوهرتي”فيمدينةِ”بريسبان”الأستراليةِشبهِالاستوائية布里斯班。كانَ والدُه فنيًّا يعملُ في شركةِ الهواتف。لمْ يتلقَّ أيَّ تعليمٍ رسمي؛وظلَّ دائمًا مُحبَطًا لذلكَ السبب。
شكلَإحباطُالأبِدافعًاللابنِالذيأصبحَتْلديهِرغبةٌكُبرىفيالتعلُّمِوالفهم。وفيالوقتِالذيكانتْفيهِالأمُّتلعبُالبيانوببراعة؛وتمارسُ رياضةَ التنس بشكلٍ مُكثف؛كانَ الطفلُ "بيتر" ينكبُّ على الدراسة؛ويزرعُ الورودَ كما علمتْه والدتُه؛ويستمتعُبسماعِالموسيقىالكلاسيكيةِالتيتعزفُها。
كانتْ للطفلِ جذورٌ أيرلندية؛فبشرتُهناصعةُالبياضِ،مماجعلَبيئتَهالمحيطةَغيرَمواتية。فالمدينةُ——التيتُعرفُبكونِهاعاصمةَسرطانِالجلدِفيالعالمِ——تسطعُفيهاالشمسُالحارقةُمعظمَأيامِالعام。وبالتالي؛لمْيُشاركْ”بيتر”فيأسلوبِالحياةِالأستراليِّالمعتمِدِعلىالتنزهِفيالهواءِالطلق。حملَ ذلكَ "العيبُ" مميزات؛إذْ جعلَه يقضي وقتًا طويلًا في قراءةِ أيِّ شيءٍ؛وكلِّشيء。
حينَيتحسنُالطقس؛كانَالطفلُ”بيتر”يذهبُمعَعائلتِهإلىالشاطئِصباحًا؛ولصيدِالأسماكِليلًا。تعلمَ منْ والدِه فنَّ النجارة؛كما كانَ مُغرَمًا بالتصويرِ الفوتوغرافي。
التحقَبالمدارسِالعامة؛ولعبَكرةَالسلة。كانتْ ميولُه تنصبُّ على دراسةِ الأدبِ والتاريخ؛لكنَّهُ وجدَ الفيزياءَ والكيمياءَ أسهل!
وحينَوجدَابنَعمِّهِالأكبرَعالمًالامعًاوطبيبًامتخصصًافيعلمِالأوبئةِالفيروسية؛عزمَ على دراسةِ العلومِ البيطرية؛وممارسةِ مهنةِ البحثِ العلمي..كانَ عمرُه في ذلكَ الوقتِ سبعةَ عشَرَ عامًا فقط。
بعدَالتخرجِ،كانَمطلوبًا(بموجبِشروطِالمنحةِالجامعيةِالتيحصلَعليه)اللعملِفيقسمِالصناعاتِالأوليةِفيكوينزلاند。بعدَفترةٍقصيرةٍكطبيبٍبيطريٍّميداني،تمَّنقلُهإلىمعملِالتشخيصِالمركزيِّبالقسم،حيثُطورَمهاراتِهكأخصائيِّعلمِالأمراضِالتشخيصي،وأجرىأبحاثًاعنْداءِالبريمياتِالبقريِّ،وهوَمرضٌبكتيريٌّيُصيبُبعضَأنواعِالحيوانات،وقضىبعضَالوقتِفيملبورنلدراسةِعلمِالفيروسات。
وفيعامِألفٍوتِسعِمئةٍوسبعةٍوستينَتقدمَللحصولِعلىوظيفةِطبيبٍبيطريٍّفيعلمِالأمراضِالعصبيةِفيمعهدٍبإسكتلندا。قضىهناكَخمسَسنواتٍدرسَفيهاعلمَالأمراضِالعصبيةِوأكملَالدكتوراةفيالتهابِالدماغِالذيينتقلُعنْطريقِالقُرادِفيجامعةِإدنبرة。
وفيعامِألفٍوتِسعِمئةٍوواحدٍوسبعينَانتقلَللعملِفيمعهدِجونكيرتنللبحوثِالطبية،وقتَهاوصلَرولفزينكرناجيل،وهوَطبيبٌسويسريٌّشاب。بعدَحوالَيعام،عمِلامعًافيمختبرٍصغيرٍمعَمساعدٍتقنيٍّواحد،علىالاكتشافِالذيتمَّتكريمُهعنهُبعدَاثنينِوعشرينَعامًابجائزةِنوبل。
فخلالَفترةٍقصيرةٍجدًّانشرُواأربعةَأبحاثٍعلميةٍفيدوريةِ”نيتشر”ومقالًاعنْفرضيتِهمفيدوريةِ”لانسيت”كانَإنجازُهمهوَإلقاءُالضوءِعلىالطبيعةِالأساسيةِللمراقبةِالمناعية،وتقديمُفهمٍجديدٍتمامًاللمناعةِبواسطةِالخلاياالتائية。
يقولُ”بيتردوهرت”يعنْنفسِه:تنبعُصفاتيكعالِمٍمنْتربيةٍغيرِملتزمة،والشعورِبأننيشخصٌغريب،والبحثِعنْتصوراتٍمختلفةٍفيكلِّشيءٍمنَالرواياتِإلىالفنِّإلىالنتائجِالتجريبية。أُحبُّ التعقيدَ، ويُسعدُني ما هو غيرُ متوقع。الأفكارُتهمُّنِي。كانتْمسيرتيالبحثيةُغيرَتقليديةٍإلىحدٍّكبيرٍأسيرُعلىإيقاعِطبلتِيوليسَلديَّاهتمامٌكبيرٌبالمنافسةِفي”السباقات”。
وُلدَ”رولفزينكرناجيل”عامَألفٍوتِسعِمئةٍوأربعةٍوأربعينَفيقريةِريهينبالقربِمنْمدينةِبازلالسويسرية。قضىخمسةًوعشرينَعامًامنْحياتِهمعَعائلتِهفيالمنزلِنفسِهالذياشتراهُجدُّهُلأبيهِوالذيكانَيعملُأستاذًاللأدبِالألمانيِّفيجامعةِبازل。نشأَ والدُه في المنزلِ ذاتِه؛ودرسَعلمَالأحياءِوأصبحَباحثًافيإحدىشركاتِالأدويةِالكبرىفيسويسرا。
كانَ”رولف”الطفلَالأوسطَبينَثلاثةِأطفال،أصبحَأخوهُبيتر،المولودُفيعامِألفٍوتِسعِمئةٍواثنينِوأربعينَ،مهندسًامعماريًّا،وأصبحتْأختُهالصغرىآنماري،المولودةُعامَألفٍوتِسعِمئةٍوخمسةٍوأربعين،فنيَّمختبر。
“رالتحقَولف”بالمدرسةِنفسِهاالتيالتحقَبهاوالدُه؛ونظرًاإلىأنَّهذهِالمدرسةَلمْتُدرسِاللغةَاللاتينيةَكمادةٍإلزامية،والتيكانتْفيذلكَالوقتِلاتزالُضروريةًللعديدِمنَالتخصصات،مثلَالطبِّأوِالقانون،فقدْقضىأربعَسنواتٍمنْعمرِهفيدراسةِاللاتينيةِبالإضافةِإلىموادِّالمدرسةِالأكثرَتوجهًانحوَالرياضياتِوالعلوم。
خلالَذلكَالوقت،كانَلديهِعددٌكبيرٌمنَالهوايات؛فبعدَأنْأرشدَهكيميائيٌّيتعاونُمعَوالدِه——وهوَأيضًارسامٌموهوب——إلىعصورِماقبلَالتاريخِفيمنطقةِبازل。كانَهذامثيرًاللاهتمامِبالنسبةِللشابِّ”رولف”؛لأنَّهخلالَالعصرِالجليديِّالأخيرِلمْتكنْهذهِالمنطقةُمغطاةًبالجليد،لذلكَنجتْمنَالدفن。فيالوقتِنفسِهحضرَأيضًاالعديدَمنَالدوراتِالتدريبيةِفيالحِرَفِاليدوية،وتعلمَصناعةَالخزائنِوالحدادة،فضلاًعنِالاستمتاعِبالرقصِوالذهابِإلىالجبالِمعَناديجبالِالألبِالسويسري。
أرسلَهوالدُهمعَأخيهِالأكبرِفيبرنامجِتبادلِعطلةٍإلىإنجلترالتعلمِاللغةِالإنجليزية。فقرأَكثيرًاوسافَرَعبرَإنجلتراوفرنساوالدولِالإسكندنافية،بينَسنِّالثانيةَعشْرةَوالسادسةَعشرة。
عندماحصلَعلىشهادةِالثانويةِالعامةِفيعامِألفٍوتِسعِمئةٍواثنينِوستين،لمْيكنْمتأكدًاممايجبُعليهِدراستُه。
لكنَّهفاضلَبينَالطبِّوالكيمياء،وبسببِالمجموعةِالكبيرةِمنَالخياراتِالتييُمكنُأنْتقدمَهامهنةُالطبِّالبيطريِّكالبحثِأوِالنشاطِالإكلينيكيِّأوِالممارسةِالعامة،كانَالطبُّهدفَهخلالَالسنواتِالستِّالمقبلةِوبعدَحصولِهعلىالشهادة؛توجهَمباشرةًإلىمعهدِ”جونكيرتنللبحوثِالطبية”وعمِلَمعَ”دوهرت”يعلىالمناعة؛وهوَ العملُ الذي قادَهما للحصولِ على نوبل。
يقولُ”رولفزينكرناجيل”إنَّهُاختارَالمناعةَللمساهمةِفيحلِّالمشكلةِالمتعلقةِبالأمراضِالمُعدية。أعتقدُأنَّالأمراضَالمعديةَلاتزالُأكبَرَمشكلةٍفيالطب。إنَّربطَالأمراضِالمُعدية،وفهمَالعلاقاتِبينَالمضيفِ/العاملِالمُعديوماإلىذلك،هوَمنطقٌسليمٌللأطباء。
وعنْعلاقتِهبـ”بيتردوهرتي”يقول:“أعتقدُأنَّالجزءَالأكثرَأهميةًهوَأننانمتلكُأناوبيترروحًامتشابهةًجدًّامنَالفكاهة。ومنْحيثُالشخصية،لكونِهطبيبًابيطريًّا،وأناطبيبٌبيطري،أعتقدُأنَّكلاناكانَلديهعلاقةُنقاشٍمنفتحةٌللغاية،ممايعنيفيالنهايةِأنَّهلمْيكنْأحدٌمنَّايخافُمنَالآخر。كانتْ علاقتُنا سهلةً للغاية。”
أهدىزينكرناجي”لالجائزةَللقدرةِعلىطرحِالأسئلة،والبحثِعنْإجابات،لإجراءِبحث؛ولإعادةِالتفتيشِفيالطبيعةِعماهوَموجودٌبالفعل،ولكنْلمْيتمَّالكشفُعنْهُحتىالآن。
لايزالُ”بيتردوهرتي”يعملُحتىكتابةِتلكَالسطورِلمدةِثلاثةِأشهرٍمنَالعامِفيإجراءِالأبحاثِفيمستشفىسانتجود圣裘德لبحوثِالأطفالِفيممفيسبولايةِتينيسي،وفيالشهورِالتسعةِالمتبقيةِمنَالعام،يعملُفيقسمِعلمِالأحياءِالدقيقةِوالمناعةِفيجامعةِملبورن،فيكتوريا؛أمَّا”زينكرناجيل”فيعملُفيجامعةِ”زيورخ”أستاذًافيعلمِالمناعة。